الاستقلالية لا تتعارض مع الصداقة

قسم: معلومات عامة الاستقلالية لا تتعارض مع الصداقة » بواسطة عبد الرحمن - 1 يناير 2022

الصداقة طريقة لتزكية النفس واستكمال فضالها عبر التواصل مع الآخرين وهذه الطريقة لا تعني الذويان في الصديق والسماح له بتقرير مصيرك فأنت شخصية مستقلة تنتفع بحكمة ولباقة من الأصدقاء والأقرباء بعيدا عن ضغوطات الحياة وبعيدا عن أهواء نفسك أو توجهات غيرك. تتم الاستشارة في دائرة تعاليم الإسلام وآدابه، واحترام القرابة فيما لا معصية فيه لكن ينبغي الاستقلالية في اتخاذ الرأي في نهاية المطاف. الاستقلالية لا تتعارض مع روح الصداقة ومقاصدها السامية.

نهي الإسلام أن يقول الإنسان لكُلِّ واحدٍ أنا مَعَكَ وموافق على فكرتك دون تمحيص الرأي وتقليبه فالإنسان الذي يجري مع كل فكرة لا يدري عن أمره شيئا ولا رأي له. الاتباع دون دليل فيه إلغاء للعقل ولهذا فهو من مساوئ الأخلاق ويدل على ضعف الرأي واضطراب الشخصية. ففي سنن الترمذي “عن حُذيفةَ قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم: “لا تَكونوا إمَّعَةً تقُولونَ إنْ أحسَنَ النَّاسُ أحسناً وإنْ ظَلَموا ظَلَمنا ولكنْ وطِّنُوا أنفُسكُم إنْ أحسَنَ النَّاسُ أن تُحسنُوا وإنْ أسَاءوا فلا تَظلِموا”. قال العلماء: وفي الحديث إشعار بالنهي عن التقليد المجرد حتى في الأخلاق فضلاً عن الاعتقادات والعبادات. ولا ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة بل يكون على بصيرة من أمره ويقين واضح.

لقد كفل الإسلام حرية الرأي والتعبير عنه في نطاق الأسرة والمجتمع ووضع لهذه الحرية ضوابط تحميها من الشطط. وهكذا فتحت التربية الإسلامية بسماحتها بابا لاستقلالية الفرد وقرنت ذلك بالمسئولية وإعمال العقل فالحرية في الإسلام واسعة المدى، رحبة الأفق على أن حرية الرأي، والتعبير عنه ممارسة مهذبة يتم ممارستها بما لا يتنافى مع تعاليم الدين وآدابه وقيم المجتمع وقوانينه.

ولا يصحّ زواج في شريعة الله إلا بموافقة المرأة ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعًا إجبارها على الزواج ممن لا ترضاه؛ فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أحاديث توجب استئمار الفتاة أو استئذانها عند زواجها فلا تُزَوَّج بغير رضاها، ولو كان الذي يزوجها أبوها. الشريعة تؤكد أن القِوَامَة شورى ورحمة ومودّة وليست رياسة قهر وتحكُّم واستبداد (اللجنة الإسلامية العالمية للطفل، 2011م، المذكرة التفسيرية لميثاق الأسرة في الإسلام). لا يسر الفتاة أن تقاد هنا وهناك مسلوبة الإرادة ولا يليق بها اتخاذ قرار دون تدبر. إن الإخفاق هو مصير كل سعي يهمش أو يلغي شخصية المرأة، ومن يقبل بأن تصبح المرأة رهن جهل مطبق فإنه ظلم نفسه وأسرته ومجتمعه ودينه. للفتاة حقها المعلوم في اختيار تخصصها الدراسي، وجهة عملها، وزوجها وإبداء الرأي في الحدود المقررة شرعًا وقانونًا. الصداقة الأسرية ضمانة لتأمين الحقوق وأداء الواجبات على نحو صحيح.

نقد غرائب الأخبار الضارة

الولع بترويج غرائب الأخبار ينتج الأخطار ويعكر مفهوم البر بالوالدين، ويحجب الصداقة الأسرية من غاياتها الصحيحة. هناك من يروج لقصص واهية عن بر الوالدين أساسها التخويف والخضوع والتسرع والعاطفة غير المنضبطة. ومن يتفحص عناوين ومضامين تلك القصص يستنتج أن الاستغناء عنها أسلم، والبعد عنها أحكم.

لقد سمعنا واطلعنا على مجموعة قصص في مسألة البر بالوالدين تدل كلها على قوة الوازع الديني وهي مجموعة قصص نافعة إجمالا تم جمعها وطباعتها ولكنها تحتوي أحيانا على فهم غير رشيد فإن المطلع عليها قد يفهما فهما خاطئا كان الأولى عدم روايتها إلا مع التعليق عليها أو الاستغناء عنها. إنها تحتوي على مفاهيم وعناوين غريبة ويمكن أن تفسر تفسيرا سلبيا ينعكس على فكر وسلوك الناشئة وكان الأفضل أن نتجنبها كي لا توحي للقراء بمفاهيم مشوشة. ومن تلك العناوين التي يمكن أن تسبب التشويش في الفهم ما يلي: ترفض الزواج لتخدم والديها-آثرت خدمة والديها على إكمال دراستها، قدمت ما تملك من مال دراستها لأهلها….ضحت بدراستها من أجل والدها وأمها وهي مصابة بمرض ضغط الدم … تخلت عن دراستها لتعين والديها…راحة والدي خير من دراستي…تركت دراستها لتخدم والدها المشلول… تركت الدراسة من أجل مرض أمها …. وافقت على الزواج طاعة لوالدها ثم اقتنع برأي ابنته بعدم الموافقة….تزوجته إرضاء لوالدها وهي تكره الزوج…ثم طلقها وبعدها تزوجت رجلا صالحا! يكبرني بعشرين سنة وقالت أمي إن الرجل المناسب لا يأتي إلا مرة واحدة في حياة الفتاة فوافقت على الزواج منه! لعقت قدم أمها أمام النساء وقبلته…هذه عناوين في كتب مبثوثة وحديثة يتم عرضها على سبيل المدح وهي في حقيقتها بحاجة إلى مراجعات منهجية جادة، وعقل نقدي فالأمة المسلمة مطالبة بالتفكير طبقا لمنهج علمي صحيح يفصل المآثر عن المخاطر ويميز بين النافع والضار.

إن التعامل مع الوالدين بحس مرهف مطلوب ومحمود ولكن يجب ألا يكون مدخلا لتعقيد الحياة والتكلف في التعامل وضياع الحقوق. التضحيات يجب أن لا تولد عاهات الأمية الثقافية في مجتمعنا، والتضحيات لا تعني تأسيس أسرة لمجرد إرضاء الأم، والتضحية لا تعني التفريط في الدراسة. الصداقة الواعية للأم تثمر مواقف أكثر نضجا وأعظم تضحية. التعامل مع التحديات وفق العقل والعاطفة أساس التربية العقلية السليمة.

إن القصص يجب أن تلتزم بالشروط التربوية التي تعكس جماليات وإبداعات الرؤية الحضارية للإسلام في بر الوالدين لتكوين شخصيات ناجحة وأمة مسلمة قوية. من المؤسف أن انتهت معظم القصص السابقة بنتائج عكسية لا ننشدها لبناتنا فضلا عن ربطها ببر الوالدين. انتهت القصص السابقة بهجر المدرسة والتعليم ففلانة ضحت بدراستها من أجل والدها وأمها والأخرى تركت دراستها … وكان الأجمل أن يكون العنوان أجَّلت دراستها لا ضحت بدراستها، كان الأولى ببناتنا إتمام دراستهن –رغم ظروفهن القاسية- ولو عبر الدراسة المنزلية أو بيان العزم على مواصلة الدراسة لاحقا. من الغريب انتقاء عناوين تهون من شأن التعليم وكأن طلب العلم يتناقض مع مفهوم البر بالوالدين. من العجب أن نقر زواجا يفتقد إلى عناصر النجاح ومقوماته لمجرد البر بالوالدة!

إن المبالغة في إيراد الغرائب يوجد عقلية سمعية ذات ثقافة هشة مولعة بتضخيم الأخبار ومصدرها الرئيس وكالة يقولون كذا وقالوا كذا. إن الصداقات الحقيقية لا ترتضي أن تتناقل القصص دون فهم مغزاها ودلالاتها فعلينا تحري القصة الصحيحة في مقصدها ومضمونها وسندها. الجري خلف الأقاصيص الضافية الذيول يجعل البعض يلغي أسس التفكير العلمي المبني على الاستشارة الموضوعية والاستخارة الإيمانية.

القصص الصحيحة الناصعة البينة المعالم فيها سعة وغنية عن تلك الأقاصيص التي تكتنفها الغموض وتحيط بها الشكوك. الغايات كثيرة والوسائل أكثر في البر بالوالدين ولا داعي لإيراد القصص المنفرة من التعليم أو التي تقلل من شأنه فالتضحية في حال الاضطرار لا تعني أن تترك البنت دراستها لخدمة أمها بل تحاول أن توفق بين الأمرين أو تأخر دراستها ريثما تتحسن الأحوال وتنفرج الأهوال. التضحية لا تعني أن تقبل البنت زوجا لا تريده من باب البر بالوالدين وتذهب البنت لإنشاء أسرة تعيسة تجر على المجتمع الويلات بل على البنت أن تستخدم حقها الشرعي في التعبير عن رأيها وتحديد مسار حياتها بطريقة شجاعة ولبقة وحكيمة. هذه القيم الإسلامية الرشيدة التي ينبغي أن تسود واقعنا وهي دعائم صحبتنا لأمهاتنا كي تدوم المودة في ظل الرأي القويم، والإخلاص في الصحبة.

مضمون قد يهمك
أضف تعليقا