تعريف فتور العلاقات

قسم: معلومات عامة تعريف فتور العلاقات » بواسطة عبد الرحمن - 1 يناير 2022

بدايات الصداقة ممتعة ثم تطول أيامها وتزيد ألفتها فتصير مملة جامدة لا تحركها إلا نسمات التجديد، وحسن التغيير. فتور العلاقات يؤدي إلى ضعف الصداقات. كيف تجنين من عسل صداقة والدتك دون أن تكسري أو تضيعي جرة العسل. جرة العسل المكشوفة قد تستقطب الذباب وقد تقع ذرات الغبار عليها، ولا بد من تأمين جرة الصداقة من الأخطار وكذلك مشاعر البنت تجاه والدتها قد تتعرض من حين لآخر إلى فتور ونفور وجفوة فكيف نصون رحيقها من التعكير عبر لمسات تحفظها وتصونها فالفتور في العمل كالخل للعسل. فتور العلاقات الإنسانية من أبرز أسباب نفور النفس، وجفوة القلب، وقسوة الروح. تأليف القلوب نعمة من أعظم النعم لا تُشترى ولا توهب ولا تورث واستشعار هذه النعمة وشكرها بالعمل الصالح من أقوى الأسباب على ديمومتها وزيادة بركتها. كل أمر نفيس لا نقوم بمعاهدته يصبح واهنا فالتراخي في حفظ وصيانة ورعاية الأشياء والمشاعر غاية في الأهمية.

أخطر أمر في فتور العلاقات الإنسانية أن تصبح الجفوة عادة تستحكم في السلوك، وتسيطر على الشخصية فتصبح العزلة الشعورية خياراً والهجران النفسي مقبولا ومن أَلِفَ شدة الطباع وقسوتها وجفوتها اعتاد الفراق بل استطابَ مَذاقه وهان عليه التواصل مع أصدقائه ولو كانوا أقرب الناس إليه. كسر العادات المذمومة غاية في الصعوبة إذا التصقت في الضمائر والسلوكيات ولكن الأمر ممكن عبر جسور التربية السوية، والإرادة القوية. الصداقة والإخاء كما قيل “جَوْهرة رقيقة وهي ما لم تُوَقِّها وتَحْرُسها مُعرَّضة للآفات”. ومن الأمور التي تضعف وهج الصداقة الشعور بالملل والرتابة ولهذا فإنه “ليس لملول صديق”. قال علي رضي الله عنه‏:‏ “لا راحةَ لِحَسُود ولا إخَاء لملُول ولا مُحِبَّ لسَيء الخُلًق‏”.‏

ولعل عدم السؤال عن الوالدة والأقارب عبر الهاتف وغياب الزيارات المتواصلة من الآفات الاجتماعية التي تهدد أمن وسلامة البناء الأسري ولا عذر لتبرير التقصير فالانشغالات الدنيوية سنة الحياة وليست ذريعة للتهرب من المسئوليات. روى البيهقي في الآداب عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: “لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌلأن قطع الزيارات هو منع تدفق المودة وتجفيف لمنابعها، فالفراق يمنع تقارب القلوب. ومن الأسباب التي تجعل الفتاة بعيدة عن التواصل مع والدتها كثرة العتاب وهذا سبب ينبغي أن لا يؤدي إلى الجفوة فالعتاب من الأحباب دليل محبة مهما اختلفنا في طريقة إرساله وكما قال الشاعر:

اذا ذهب العتاب فليس ود              ويبقى الود ما بقى العتاب

ودور البنت أن توصي والدتها بتقليل العتاب فكما قيل : إن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب. وأنشدوا في هذا المعنى:

ومن لم يغمِّض عينه عن صديقه
ومن يتتبَّعْ جاهدا كلَّ عَثْرةٍ
  وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتبُ
يَجدْها ولا يسلمْ له الدهرَ صاحبُ

وقد تقع الابنة في أخطاء معينة فتبتعد عن أمها وتزيد المسافة بينها مما يسبب الجفوة. إن إتقان فن الاعتذار خلق حضاري ملازم لنا لأن طبيعتنا البشرية غير معصومة من الزلل. الاعتذار علاج لتجديد العلاقات وحفظها من الجفوة ومن هنا قالوا “إذا اعتذر الصديق إليك يوما فتجاوز عن مساويه الكثيرة”. يدرك العارفون بخبايا فن الصحبة أن الاعتذار مهارة تنبع من شجاعة ذاتية. قال الشاعر:

 

إِذا اعتذرَ الصديقُ إِليكَ يوماً
فصُنْهُ عن جفائكَ واعفُ عنه
  من التقصيرِ عذرَ أخٍ مقرِّ
فإِن الصفح شيمة كل حرِّ

وقال الـمتنبـي

أُصَـادِقُ نَفْـسَ المرءِ قَبْلَ جِسْمِـهِ
وأَحْلُـمُ عَـنْ خِلِّـي وأَعْلَـمُ أَنَّـهُ
  وأَعْرِفُـهَا فِـي فِعْلِـهِ وَالتَّكَلُّــمِ
مَتَى أَجْزِهِ حِلْمـاً عَلى الجَهْلِ يَنْـدَمِ

لا تتوقعي أن الاعتذار يكفي ويغني في كل الأحوال، بل عليك تقديم الضمانات على عدم تكرار الخطأ الذي أزعج والدتك ومن حقها أن تلومك وتعاتبك وهذا لا يجرح أبدا روابط الصداقة فالصداقة  -كما ذكرنا أكثر من مرة في هذه السلسلة- لا تعني أنها ضد الأمومة ولا تعني التخلي عن معادلات الحقوق والواجبات بل هي رابطة تسهم في تجذير ما سبق وتقوم بتطعيم القرابة بفوائد الصداقة. قال السلمي في كتابه آداب الصحبة “مِنْ آدَابِ الصُّحْبَةِ قَبُولُ الْعُذْرِ، والصَّبْرُ عَلَى جَفْوَةِ الإِخْوَانِ، واحْتِمَالُ الأَذَى… والبر والصلة، والبر بالنفس، والصلة باللسان، والبر أتم من الصلة وأفضل لذلك خص به الوالدان تعظيما لحقهما النبيل”.

وإذا اتجهنا نحو الدعاء الصالح فنجد أنه به يحصل الصفاء ونتجاوز المشاعر السلبية فالدعاء لا نظير له في بلورة أهدافنا وتحقيقها ومن موجبات المغفرة. والمؤمن محب للدعاء فهو حصنه وسلاحه {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم: 41). وقال جل ثناؤه في هذا الصدد {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان: 14). {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (نوح: 28). ولهذا كله نجد الصالحين يسيرون على هذا الدرب القويم. قال الإمام زين العابدين رضي الله عنه “أللّهُمّ اجْعَلْني … أبرهُما بر الأمّ الرّؤوفِ؛ وَاجعل طَاعتني لِوالدَيّ وَبِرّي بهِمَا أقَرّ لِعيْني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شَربة الظّمآنِ … (انظر فضل الله، 2009م، ص 138).

فيما يلي مجموعة سلوكيات هي مكدرات تكدر صفو الصداقة مع الأم وتحملها نحو هاوية الفتور:

  • لا تقللي من شأن عملها اليومي في البيت أو خارجه واحذري من التلفظ بالعبارات المحبطة؛ “أنت ربة منزل وهذه ليست وظيفة”، “لديك فراغ كبير وليس لديك ما تفعلينه”، “العمل المنزلي عمل بسيط كل شخص يمكنه القيام به”، “إنها مجرد وجبة عشاء”، “لا تذهبي إلى العمل غدا فإنني أحتاج إليك لأداء …”.
  • عليك بالابتعاد عن إملاء ما ينبغي أن تفعله أو تقوله والدتك فلا يليق بك أن تسفهي ذوقها في بضاعة اشترتها، أو ثوب تلبسه، أو عطر تستعمله. يمكنك التعبير عن انطباعاتك بحذر وبكيفية تحبها أمك فالكلمة المتسرعة الطائشة تجرح كالسكين أحيانا. إلانة القول للأم واستعطافها على منهج مراعاة مشاعرها خلق البنت الذكية.
  • إياك ثم إياك الاعتقاد بأن الصداقة مع والدتك تعني نزع قداسة الأمومة فالصداقة الأسرية واسعة المعاني لكنها لا تلغي مسافات الاحترام والتبجيل لمقام الأم.
  • توقفي عن آفات المبالغة التي يرفضها الحس السليم واحترسي من عواقبها من مثل المدح الكاذب، والتملق الأجوف الذي يوحي بالاستخفاف عن قصد أو من غير قصد.
  • الأحكام المسبقة تعيق التقدم والتجديد (أمي لن توافق على هذا الاقتراح…إنها لن تفهمني …لن تساعدني).
  • احذري من تشتيت فكرها وهي تؤدي واجباتها المنزلة ولا تقدمي أولوياتك على أوليات غيرك إلا لضرورة قاهرة. يترك الأمهات أعمالهن لتلبية طلبات بناتهن مما يربك الأمهات ويبعثر مجهوداتهن.
  • قدح ولمز صديقات الأم هو انتقاص لأحاسيسها.
  • تحميل الأم أكثر مما تطيق من التكاليف ظلم وتعجيز لها فللإنسان طاقات محدودة. “من سأل صاحبه فوق طاقته فقد استوجب الحرمان”.
  • عدم قبول هديتها ببشاشة وجه يحبط مشاعرها فإن توجيه الشكر له سحر في النفوس وله دور كبير في إشاعة عبق المودة، وصدق المحبة.
  • الإعراض أو الانشغال عن الأم عندما تكون في حالة مزاجية سيئة من أعظم مكدرات صفو الأمهات. إن تقديم العون العاطفي عبر التواجد قريبا منها هو أبسط واجب يجب أن لا نتردد في تقديمه لنشد من أزرها، ونخفف مصابها، ونقلل من قلقها.
  • التبسط المذموم مع الأم لدرجة المزاح معها بما يضايقها هو خروج عن حدود الذوق العام، وابتعاد عن التوسط الذي فيه النجاة. لا يحق لك نعتها بأوصاف (السمينة أو القصيرة …) فالأفراح تنقلب إلى أحزان بسبب سوء المزاح. قال الشاعر:
وإِذا هويتَ فلا تكُنْ متهالكاً
فالحبُّ مثلُ البحرِ يأمنُ من مشى
فاسلكْ سبيلَ توسطٍ فيه تُصِبْ
   في الحبِّ بل متماسكاً كي تَنْتَجي
في شَطَّهِ ويخافُ كلُّ ملجِّجِ
وإِلى التبسطِ فيه لا تستدرجِ

قضاء أوقات الفراغ مع الأم تسلية لها وقربة لله ووسيلة لإدخال السرور والفرح والبشر. ومن اللآلئ التربوية المنثورة والعقود التعليمية المنظومة قول ابن الجوزي رحمه الله: “اعلم أن الأيام تبسط ساعات.. والساعات تبسط أنفاساً.. وكل نفس خزانة.. فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء. فترى يوم القيامة خزانة فارغة فتندم”. إن الابنة التي تتحدث مع أمها عن آلاء الله عليهما لا تشقى، والبنت التي تذكر الله مع والدتها وتراجع حفظها من كتاب الله أو تقرأ مع والدتها من كتاب نافع تكون في مجلس يحبه الله فيوثق علاقاتهما ويرفع درجاتهما. ورد في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ: يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي: قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ. قَالَ: يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً. قَالَ: فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ!! قَالَ “هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ“. هذه مجالس لا تعرف الخسارة وهؤلاء قوم اختاروا الصحبة الحسنة فتجاوز الله عن زلاتهم. ولا بد لكل بيت أن يجعل له نصيبا من حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم من حين لآخر كي تسود البركة وتعم الرحمة وفي الحديث الشريف “لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ الْبَقَرَةِ” (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

مضمون قد يهمك
أضف تعليقا