أهداف العلوم المعرفية التطبيقية

قسم: علم النفس والأجتماع أهداف العلوم المعرفية التطبيقية » بواسطة محمود الاسوانى - 16 مارس 2022

العلوم المعرفية وأهدافها التطبيقية

الواقع أن دراسة بنية المعرفة وسيروراتها أصبحت محكومة بتحقيق أهداف تطبيقية ذات فائدة كبيرة من الناحية السوسيواقتصادية.

ففعل الارتباط القوي بين نظريات المعرفة وعلوم العمل، أصبح بالإمكان الحديث في الوقت الحالي عن تكنولوجية المعرفة وهندستها، بمعنى الحديث عن جملة من الأبحاث النمائية

والتي يتحدد هدفها في بناء الأنظمة القاعدية للمعارف والملائمة لإغناء وتوسيع القدرات الإنسانية على الإدراك والفهم والتعلم والعمل وحل المشكلات.

فإذا كان الهدف السوسيواقتصادي يتجلى أساسا في إعداد الآلات التي تفكر، فإن إنشاء معاهد للآلات الذكية في عدد من البلدان المتقدمة يمكن أن يعتبر بدون أدنى شك بمثابة الخطوة الأولى لبرامج مؤسساتية

وتوضع خصيصا لتكوين مهندسي المعرفة الذين أصبحت الضرورة الاقتصادية تدعو إلى مساهمتهم ومشاركتهم. والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بإعداد آلات للإنجاز فقط، بل المفروض أن يتمكن ذكاء هذه الأنظمة الآلية من التعاون الفعلي مع الذكاء الإنساني وأن يستلهم من الخاصيات البنيوية والوظيفية المسؤولة عن مرونة ذكائنا الخاص

. ومعنى هذا أن تكنولوجية المعرفة لا يمكنها أن تتجاهل إسهامات السيكولوجيا المعرفية واللسانيات وعلوم الأعصاب. فعلى مهندس المعرفة أن يتوفر على كفاءة متعددة الأبعاد في كثير من الميادين بحيث أن التطور الحالي للأنظمة الخبيرة يكشف عن حاجة المهندس المعرفي الملحة إلى القدرة على صورنة المعارف وأنماط الاستدلال المتوفرة لدى الخبير الإنساني وعلى مثيلتها في أنظمة لها قيودها المنطقية والتقنية الأساسية (Tiberghien، 1989: 25).

لكن ما يجب التنبيه إليه هو أن التطورات الحالية لتكنولوجيات المعرفة توضح أن البحث عن حلول ألغورتمية لمشاكل الإدراك والتعلم والاستدلال أصبح يشكل النهج غير المجدي، وبالتالي فإن تحديد المركبات الاستكشافية وتمثلاتها المعلوماتية أو نمذجة البنيات العصبية، يمكنه لوحده أن يمثل، على ما يبدو، الإطار الملائم لمقاربة الأداءات الإنسانية.

نظرة على الاساس

وعلى هذا الأساس تم الاعتقاد أن الترجمة الآلية وبلوغ أداءات جيدة من وجهة نظر الخبير هي في متناول الباحث. غير أن تحقيق هذا المطمح يبقى مشروطا أولا وقبل كل شيء ببلورة نظرية عن دلالية الخطاب وتداوليته. فالحقيقة أن تحقيق برنامج في هذا المستوى من التركيب والتعقيد لا يمكنه أن يتم إلا بالتنسيق والتعامل البيني بين الباحثين في مجالات المعلوميات والسيكولوجيا المعرفية واللسانيات.

وكما تم الاعتقاد بإمكانية بلورة نظام اصطناعي للفهم والاستعمال، لكن صعوبات كثيرة ظهرت بهذا الخصوص مع اتساع ميدان التطبيق. فإذا كان الذكاء الاصطناعي والإنسانية الآلية النظرية قد تطورا أساسا في عوالم مصغرة يتمظهر فيها وبجلاء تام المستوى المرتفع للأداءات المحققة

فإن ميادين العمل التي يتحرك وينشط فيها الإنسان هي ميادين تتغير وترتقي دوما مع الزمن، وبالتالي يمكن القول إن التطورات المستقبلية للإنسانية الآلية ستبقى مشروطة في الأساس بمدى قدرتها على صورنة المعارف المعالجة في عالم يتغير باستمرار ولا يبقى على نفس الوتيرة.

وهكذا، أصبحت الإنسانية الآلية تكتسي من هذه الزاوية أهمية تكنولوجية استراتيجية. فالإنسان الآلي الذكي هو عبارة عن رهان استراتيجي مستقبلي لأنه هو الذي أضحى يقوم بوظيفة التوليف بين مجمل الوظائف المميزة للنشاط الإنساني، بل الأكثر من هذا إنه أصبح، وبفعل كونه يمثل نظاما للإدراك والفهم والحركية ويتوفر على قاعدة من المعارف، يشكل الخطوة الحاسمة في مجال منافسة النشاط المعرفي للإنسان. بطبيعة الحال

فضلا عن كونه يحل محل الإنسان لينجز المهام التي قد لا توافق هذا الأخير أو التي تتميز بالرتابة والخطورة، فإن النظام الإنساني الآلي يمكنه أن يدمج في برنامج للتعاون مع النظام الإنساني الذكي، الأمر الذي يدل على أهمية التفاعل بين المعرفة الإنسانية والمعرفة الآلية الاصطناعية، وعلى أهمية البعد التواصلي المعرفي بين مختلف أنظمة تكنولوجية المعرفة.

هذا البعد الذي قد يبدو صعب المنال أو على الأحرى مستحيل البلوغ إذا لم تدمج المعارف السيكولوجية وبقوة في المعارف التكنولوجية الصرفة وفي الأنظمة التي تجسدها.

وفي المقابل، من المؤكد أن تطور أنظمة التواصل الجديدة سيغير بصورة دالة القدرات المعرفية للذات الإنسانية وطرق استدلالها. وهذه مسألة بدأت تعرف طريقها إلى التحقق وخاصة على مستوى سيرورات اكتساب المعارف وتحولها عند الطفل واستراتيجيات التعلم والتحصيل لدى المتعلم.

إذن، إذا كانت الغاية هي الوصول إلى إعداد آلات معرفية تجمع بين القوة والسرعة في المعالجة وبين نتائج الذكاء الاصطناعي وخلاصات العلوم المعرفية، فإن الرهانات في هذا النطاق تكتسي أهمية علمية وعملية وخاصة على مستوى ظهور الحاجة الماسة إلى تكنولوجية جديدة قوامها هو تمكين كلا من الذكاء الاصطناعي وعلوم المعرفية من الاقتراب أكثر من الأداءات والإنجازات الإنسانية.

ومعنى هذا أن الإحاطة الشاملة بمعارف الخبير الإنساني تستدعي بدون أدنى شك معرفة ميدان التطبيق المقصود ثم الاستناد إلى مجمل المعارف السيكولوجية والسوسيولوجية والتربوية الضرورية، فضلا عن دمج هذا الخليط من المعارف على المستوى التكنولوجي (Tiberghien، 1989: 26-30).

كخلاصة عامة يمكن القول: لقد كان من المنتظر أن يتخذ الإنسان في يوم من الأيام من نشاطه المعرفي الخاص الموضوع الجوهري للبحث والدراسة. وإذا كان هذا اليوم قد وصل فإن المشكل لم يعد يتعلق بمناقشة واقع السيرورة المستعملة بل أصبح التركيز ينصب على مستقبل هذه الأخيرة

وهذا المستقبل سيتوقف بدون شك على مدى قدرة هذا القطاع العلمي الجديد على تحديد بنياته المؤسساتية الضرورية للبحث والتكوين، حيث سيعمل باحثون من تخصصات متنوعة على التعاون والتعامل البيني من أجل إيجاد الحلول لبعض المشاكل التي لا يمكن حلها في إطار تخصص منعزل أو منغلق على نفسه.

فعلى أساس الحل المنوط بهذه القضايا المؤسساتية ستتوقف نسبيا إمكانية حل المشاكل العلمية الأساسية التي تواجهها حاليا علوم المعرفية وتكنولوجيتها. وهنا يمكن التأكيد على مشكلين نظريين رئيسيين يقتضيان بلا هوادة أعمالا هامة ومتعددة التخصصات: أولهما هو مشكل تمثل المعارف وثانيهما هو مشكل التعلم. فالعلوم المعرفية ولكي تتوفق في إيجاد حلول عملية ملائمة لهذه المشاكل، يتوجب عليها أن تتحاشى خطر الاختزالية الميتودولوجية والاختزالية الميكانيكية للأنشطة الإنسانية.

ويعني هذا أن الحلول المعلوماتية الحالية لا تطابق بالضرورة الحلول السيكولوجية، بحيث أن مشاكل الانفعال والقصدية والوعي وإن كانت حتى الآن لا تخضع لأي تفسير معلوماتي، فإنها والحالة هاته لا يمكن إقصاؤها في اللحظة التي يتعلق فيها الأمر بالذكاء الإنساني وبالاشتغال المعرفي المراقب، هذا فضلا عن أنه لا يمكن تجاهل الرهانات السوسيواقتصادية والتربوية المصاحبة لتطور علوم المعرفية وتكنولوجيتها، وهي رهانات تتعلق أساسا بتكويننا وبحريتنا وبأعمالنا.

 

مضمون قد يهمك
أضف تعليقا