مشكلة الخلافات بين الأم وابنتها بشأن المبالغة في اللبس

قسم: معلومات عامة مشكلة الخلافات بين الأم وابنتها بشأن المبالغة في اللبس » بواسطة عبد الرحمن - 1 يناير 2022

مشاكل الاسرة على اللبس

الجمال ما تستحسنه النفوس وتستريح إليها، وما تفضله العقول وتطرب لها علاوة على ذلك فالجمال رؤية مخلصة للحقائق بنظرة مليئة بالأمل وكما قال إيليا أبو ماضي “كن جميلا تر الوجود جميلا”:

والذي نفسه بغير جمال        لا يرى في الوجود شيئا جميلا

الإنسان مفطور على حب الجمال الخالد بكافة ألوانه المادية والمعنوية، ومن الحكمة أن لا نجعل النعمة نقمة عبر المبالغة والإسراف فيها. إن مخاوفنا من موجة التركيز على الجسد والجنس التي تكتسح أرجاء العالم هي التي يشعر بها العقلاء في الغرب حيث تقول الكاتبة والروائية العالمية مؤلفة سلسلة روايات هيري بوتر جي كي رولنج (JK Rowling) على موقعها على شبكة الإنترنت: “إنني أخشى على بناتي هذا الهوس بالجسد من جهة، والإهمال الواضح للعقل من جهة أخرى”.

تشاهد البنت المراهقة التلفاز لمدة تقارب 20 ساعة أسبوعيا، وخلال ذلك تنظر إلى عشرين ألف إعلان تجاري سنويا مما يشكل بصورة أو بأخرى ثقافة الفتيات عن أنفسهن وأجسادهن فيتسابقن في نحافة الجسد طمعا في إضفاء الطابع الجمالي على أجسادهن إلى درجة فيها مبالغة شديدة. تصور وسائل الإعلام المرأة بصفات إيجابية من مثل المرأة الذكية والمبدعة والفاضلة والقوية واللطيفة ولكن الإغراء الجسدي يطغى على الأوصاف الأخرى فتغييب القيم الأخلاقية وتبرز قيم الإغراء إلى درجة مَرضية بغرض تسويق فكرة الفتنة الجنسية واللذة الحسية. تسعى وسائل الإعلام –في ذات الوقت- إلى تكريس فكرة الشراء والاستهلاك وتشجيع الصناعات التجميلية ومستحضراتها لتحسين مظهر الفتيات فيشعرن أن ما لديهن من سلع غير كافية (inadequate) فيقمن دائما بشراء الجديد نظرا لشعورهن بالنقص. ستتدهور الحركة الاقتصادية إذا اقتنعت المرأة بملبسها وشعرها وعطرها وشكلها إن الاقتصاد المريض اليوم يضخم احتياجات الفتاة ويجعل الكماليات وكأنها ضروريات لضمان انتشار البضائع، واستمرار السلوك الاستهلاكي. تشير الدراسات إلى أن ما لا يقل عن 40% من الفتيات يقمن باتباع برامج الحمية (الرجيم) رغم أن الكثير منهن لا يعانين من زيادة الوزن. الجمال السام (pretty poison) هو الجمال الذي يريد أن يبلغ مرحلة الكمال والروعة عبر التضور جوعا والحرمان من الطعام بصورة منتظمة مما يرهق روح الإنسان لمجرد تقليد نجوم السينما!  Shaffer & Gordon, 2005, p. 21, 22)).

إن تجديد المظهر والعناية به أمر محمود وفطري إذا لم يتجاوز حد الاعتدال. الهوس والولع والبذخ هو المرفوض فكرا وسلوكا. المهم أن إضفاء الطابع الأنثوي الجمالي ولبس اللائق من اللباس يجب أن لا يصل إلى حد الإسفاف والتكلف. ينبغي أن لا تؤثر عملية التسوق على ميزانية الأسرة ولا على حساب قيم وأخلاقيات الفرد والمجتمع، وعلى البنت الابتعاد عن النحافة المرضية وكذلك السمنة. الاعتدال خير موجه للسلوك الإنساني في كل أحواله. كل أنثى تحب بفطرتها نضارة الوجه، وطيب الرائحة، والنظافة المتواصلة، والنفاسة في الثوب، والتجمل باعتدال فالله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر النعمة على خلقة بشرط ترك الإسراف، وترك مستحضرات التجميل الضارة، ونبذ التقليد الأعمى، والشراء لمجرد الشراء. إن العناية برائحة الجسم والفم وسلامة الجلد ومعاهدته وترطيبه بالكريمات والعطورات المناسبة وإزالة الشعر الزائد والتخلص من رائحة العرق والاستحمام على نحو منتظم، من أسباب الراحة النفسية المضمونة، والسلامة الصحية المأمونة. إن استخدام أدوية التنحيف ذات المضار الجانبية يجب الابتعاد عنها إلا بتوجيهات الطبيب المختص وخير من ذلك الانتظام في ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي سليم والتثقف في مجال العناية بالإنسان ظاهرا وباطنا.

تعتني الفتاة بزينتها المكتسبة وتتجمل بالثياب الجميلة، والفساتين الملونة، والحلي والكُحْل والخِضاب، وكل ما يجري مجراه ويؤدي إلى التجمل المحمود لا التبرج المذموم. وفي المقابل على الفتاة أن تحذر الإهمال وقبح وكآبة المنظر وتبعد نفسها من الإهمال والتقصير في العناية بالهيئة والملبس. “عَنْ عَائِشَةَ: أَنّ امْرَأَةً مَدّتْ يَدَهَا إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَدَدْتُ يَدِي إلَيْكَ بِكِتَابٍ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فَقَالَ: “إنّي لَمْ أَدْرِ أَيَدُ امْرَأَةٍ هِيَ أَوْ رَجُلٍ” قَالَتْ: بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ قَالَ: “لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنّاءِ”. قوله: “فقبض يده” أي [امتنع] عن أخذ الكتاب من يدها “لو كنت امرأة” أي لو كنت تراعين شعار النساء لخضبت يدك” (انظر: حاشية السندي على النسائي للإمام السندي، الجزء الثامن، كتـاب الزينـة: باب الخضاب للنساء، موقع المحدث). وورد في مسند الإمام أحمد “«لَوْ كَانَ أُسامَةُ جارِيَةً [فتاة]لَحَلَّيْتُها وَلَكَسَوْتُها حَتَّى أُنْفِقَها [تتزوج]».

اللبس المعتدل يتناغم مع الفضيلة ولا يدعو إلى استثارة الغرائز ونشر الفوضى والفرق بين التبرج وبين التجمل أن التبرج إثارة مفتعلة للفت الأنظار, أما التجمل كما يقول – محمد الغزالي-  هو “صون الجسد واستبقاء محاسنه الطبيعية واستبعاد ما يشينها أو يشوهها, وذلك لا حرج فيه بل هو مطلوب… ملابس النساء تجمع بين الفضيلة والجمال، وتمنع التبرج والفساد” (بتصرف). يقول محمد فتح الله كولن “إن الإنسان عندما يرى أحيانا امرأة مسحوقة تحت مظاهر الزينة لا يملك إلا أن يتساءل “ترى هل تلقى العفة والشرف والفضيلة التي هي زينتها الداخلية كل هذا الاهتمام لديها؟ إن الشيء الذي يرفع بقدر المرأة ويجعلها أثمن من الماس هو عمق عالمها الداخلي وعفتها ووقارها. فالمرأة غير العفيفة تشبه عملة زائفة، والخالية من الوقار لعبة وموضوع استهزاء. وفي الجو الخانق لأمثالهن لا يمكن الحديث عن جيل صحي” (بتصرف).

ونقرأ في  موسوعة الأسرة الصادرة من اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أن الإسلام اهتم بمعالم شخصية المرأة ولباسها وزينتها وأباح “قدر من التزين المعتدل في الوجه والكفين واللباس المشروع …ولم يقرر طرازا  محددا بشأن اللباس، ولكنه فرض ستر البدن، ولا جناح في تعدد الطرز حسب الظروف المناخية والاجتماعية. لقد ساعدت هذه المواصفات العامة على توفير حرية حركة المرأة وتيسير مشاركتها في الحياة الاجتماعية” (ج1، ص 178، انظر أيضا الخياط، 2008م، ص 167). ورد في تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم للطنطاوي نهى الإسلام “المرأة المسلمة، عن استعمال أي حركة أو فعل من شأنه إثارة الشهوة والفتنة كالمشية المتكلفة، والتعطر الملفت للنظر، وما إلى ذلك من ألوان التصنع الذى من شأنه تهييج الغرائز الجنسية”.

حث الإسلام المسلمين على أن يكونوا فـي أَحسن وأصلح زِيَ وهيئةٍ فيكونوا كالشامة في الـجسد، يستملحها الناظر. فيدل الثوب على التوقير والإكرام والاحترام والنظافة لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب ولا كبرياء. العناية في المركب والملبس مندوب إليه في الشرع ففي الحديث النبوي الشريف “فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتّى تَكُونُوا كَأَنّكُمْ شَامَةٌ فِي النّاسِ فَإِنّ الله تَعَالَى لاَ يُحِبّ الْفُحْشَ [القبح] وَلاَ التّفَحّشَ”. قال الصديقي في دليل الفالحين “ففـيه تـحسين الـمرء ثوبه وكذا بدنه لـملاقاة إخوانه ورؤية أعينهم، فإن رؤيتهم تمتد إلـى الظواهر دون البواطن حذراً من ذمهم ولومهم واسترواحاً إلـى توقـيرهم واحترامهم فإن ذلك مطلوب فـي الشريعة، وفـي الـحديث دلـيل أن علـى الإنسان أن يحترز من ألـم الـمذمة ويطلب راحة الإخوان واستـجلاب قلوبهم لـيأنس بهم فلا يستقذروه ولا يستثقلوه، وهذه من باب إظهار نعمة اللّه سبحانه والتـحدث بها” (باختصار). المذموم شرعا لبس الملابس الدالة على الغرور والكبر. روى الترمذي في سننه: باب ما جاء في الكبر “عن عَبْدِ الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ منْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ منْ كِبْرٍ، ولا يَدخُلُ النّارَ يعني مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ مِنْ إِيمَان. قالَ: فقالَ لَهُ رَجُلٌ إِنّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنَاً وَنَعْلِي حسنة، قالَ: إِن الله يُحِبّ الْجَمَالَ، ولَكِنّ الكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقّ وغَمصَ النّاسَ”.

وورد في الموسوعة الفقهية الكويتية “الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَظَاهِرِ الأُنُوثَةِ : يَعْتَنِي الإِسْلامُ بِجَعْلِ الأُنْثَى تُحَافِظُ عَلَى مَظَاهِرِ أُنُوثَتِهَا، فَحَرَّمَ عَلَيْهَا التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ فِي أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ لِبَاسٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَيِّ تَصَرُّفٍ. وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ “أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ”. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ: تَرَجُّلَ الْمَرْأَةِ وَتَخَنُّثَ الرَّجُلِ. وَقَدْ أَبَاحَ لَهَا الإِسْلامُ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْ وَسَائِلِ الزِّينَةِ مَا يَكْفُلُ لَهَا الْمُحَافَظَةَ عَلَى أُنُوثَتِهَا… وَيُبَاحُ لَهَا التَّزَيُّنُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ دُونَ الرِّجَالِ؛ لأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ” (ج7، ص 87- 88، باختصار).

واستنادا لكل ما سبق، لا ريب أن الاهتمام بجمال أجسامنا وأثوابنا من مستلزمات وخيرات الحياة لكن دون مبالغة وبلا غرور.

قال الشاعر أبو الفتح البستى:

يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا
  أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ
فَأَنْتَ بِالرُّوحِ لا بِالْجِسْمِ إنْسَانُ

قال علماؤنا “وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَغْتَرُّ بِاللِّبَاسِ، فَإِنَّ الذَّاتَ أَشْرَفُ مِنْهُ، وَلا يَغْتَرُّ بِالأَجْسَامِ فَإِنَّ وَرَاءَ هَذَا الْجِسْمِ مَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَأَرْقَى مَنْزِلَةً، وَأَعْظَمَ شَأْنًا”. ويقول محمد فتح الله كولن “إنسـانية الإنسان لا ترتبط بجسده المادي الفاني، بـل هي في روحه المشتاق إلى الخلود. وهذا هـو السبب الكامن وراء عدم وصـوله إلى الإشـباع والرضا أبـداً عنـدما يعامل وكأنه جسد فقط”. لا تكوني أيتها الابنة الذكية الزكية ممن انطلت عليها فكرة العناية بالجسد وإهمال العقل. “خدعوها بقولـهم: حسناءُ” فراحت تبحث في الأسواق زينة البدن ونسيت نصيبها من جمال الروح. قال أمير الشعراء:

خَدَعُوها بقولـهم: حسناءُ       والغواني يَغُرُّهن الثناءُ

الاعتدال والتوازن والتواضع سر سحر الجمال البدني والروحي والعقلي، وصمام أمان للبنات والأمهات في كل الأوقات.

مضمون قد يهمك
أضف تعليقا