بحث علمي عن وظائف الأسرة

قسم: أبحاث علمية بحث علمي عن وظائف الأسرة » بواسطة عبد الرحمن - 31 ديسمبر 2022

الفرد مثل كتاب أمين يضم بين دفتيه خصائص أسرته، وإرث أمته، وروح عصره. وتتحدد درجة نضج الإنسان حسب نتاج امتزاج الخصائص الذاتية وتفاعلات السعي الفردي مع التحديات والفرص المحيطة.

الأسرة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي كنفها تنبت الطفولة وتحقق نموها وهي ذات وظائف متنوعة منها توثيق الصلات وتضافر الجهود الفردية والجماعية لرفد بناء شخصية أعضاء الأسرة. وتقوم الأسرة بدور ديني عظيم حيث تغرس في نفس الفرد مبادئ الإيمان ومحبة الرحمن وتطبق قيم الإسلام في التواد أو كما يَقُولُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الأَعْضَاءِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ”. تقوم بترسيخ وشائج الرحمة وأواصر التكافل واستمرار التناسل ورعاية الناشئة طمعا في استمرارية بقاء النوع البشري. ومن وظائف الأسرة الجوهرية أنها تمد أعضاءها بالمودة والتكافل والإشباع العاطفي وتعد الفرد لخدمة مجتمعه وتحقيق ذاته على أساس متين من التعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر والقيم الأخلاقية التي تحض على البر والترابط والود والرحمة وذلك ضمن معادلات الحقوق والواجبات المستمدة من القيم الإنسـانية وخصوصيات المجتمع. كلما التزم أفراد البيت بمعادلات الحقوق والواجبات والتحلي بالقيم الفاضلة والتواصل الاجتماعي، كانت الأسرة أكثر سعادة وأقرب إلى تحقيق مقاصدها.

“يقصد بالتواصل الأسرى (Family Communication) لغة التفاهم والتحاور بين أفراد الأسرة، التي تنقل أفكار كل منهم مشاعره ورغباته واهتماماته وهمومه إلى الآخرين في الأسرة، وتشمل هذه اللغة: الكلام والحركات والتعبيرات والإشارات والإيماءات وغيرها من الرموز اللفظية وغير اللفظية، التي يقوم عليها التفاعل والتوافق بين أفراد الأسرة، وتجعلهم سعداء أو أشقياء بحياتهم الأسرية” (موسوعة الأسرة، ج3، ص 525).

قال السمرقندي في كتابه تنبيه الغافلين “لو لم يذكر اللَّه تعالى في كتابه حرمة الوالدين ولم يوص بهما لكان يعرف بالعقل أن حرمتهما واجبة، وكان الواجب على العاقل أن يعرف حرمتهما ويقضي حقهما، فكيف وقد ذكر اللَّه تعالى في جميع كتبه في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد أمر في جميع كتبه وأوحى إلى جميع الأنبياء وأوصاهم بحرمة الوالدين ومعرفة حقهما، وجعل رضاه في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما. فمن شكر اللَّه ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه” (باب حق الوالدين).

يقول كنفوشيوس “إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم”. وقال فرانسيس بيكون “يكبر الإنسان سبع سنوات في أفكاره في اليوم الأول من زواجه” لأنه يتعلم حقيقة حمل المسئولية ويستشعر ذلك. لقد أحس جان جاك روسو بعد سلسلة من الأخطاء الفادحة في حياته الأسرية “أن الرجل الذي يستطيع تربية أولاده تحت بصره رجل سعيد جداً. وكتب إلى أم شابة يقول: إن أجمل أسلوب في الحياة يمكن أن يوجد هو أسلوب الأسرة.. فما من شيء يندمج معنا بأشد وأثبت من أسرتنا وأبنائنا”. ورغم تغير الأحوال وتبدل الزمان ودخول عصر العولمة تظل الأسرة أساس المجتمع والوحدة الرئيسة له. هذا أمر لازب، وحقيقة لا تنفصم عن الواقع ولا تنفصل عن المجتمع. للأسرة وظائف تربوية ونفسية واجتماعية واقتصادية كلما زادت درجة تلبيتها لعبت الأسرة دورا أكبر في حياة الفرد وأنزلته منزلا مباركا.

من الجميل أن تجتمع الأسرة لتناول الطعام ومن الجميل أيضا أن تكون الرابطة الثقافية حاضرة في البيت تشد أواصر القرابة والصداقة بين جيل الكبار والصغار. أشارت المربية والكاتبة الإماراتية مريم النعيمي إلى أسلوبها الراقي في غرس المفاهيم السابقة في منزلها فقالت “جلست في صبيحة هذا اليوم وكان هدفي أن يعيش أفراد عائلتي أجواء كتاب ممتع من كتب التربية وبالفعل عقدت حلقة نقاشية مفتوحة مع ابنتيّ؛ نورة وفاطمة لشرح كلمات الكتاب وعباراته وأفكاره الهامة. جلسنا قرابة ساعتين نقرأ في الكتاب وقد توليت الشرح والتعليق على بعض ما جاء في الكتاب من مواقف تاريخية تدور حول التربية والمربين، والأدب والمؤدبين. كم كانت فرحة نورة وفاطمة كبيرة حيث تركت فاطمة كتابها الذي تقرأه، وتوقفت نورة عن متابعة كتابها أيضا بعد أن طلبت منهم مشاركتي في قراءة الكتاب. كان تعليقهم إيجابيا وتفاعلهم مع أفكاره كبيرا”.

ومن جهة أخرى هناك محاولات غربية جادة لتشجيع الفردية الجامحة، ولهدم القيم الاجتماعية، وتهوين شأن الكيان العائلي، وتقويضه. للأسف حققت تلك المحاولات شطرا من أهدافها ولكن فطرة الله التي خلق الناس عليها تقودنا إلى الاحتماء بالأسرة والانتماء لقيمها، لأنها صبغة الله فلا تبديل لها، ولا تحويل عنها. هذه المحاولات المنظمة والهجمات المركزة لتفكيك وتفتيت عناصر الأسرة لن يستسيغها أصحاب الفطرة السليمة وهذه دعوة ملوثة تلوث من يؤمن بها ويروج لها. الأسرة بمثابة الثوب الفطري السابغ للإنسان فالأسرة ستبقى حتماً وصدقاً الخلية المجتمعية الحية للأبد. أما فكرة إلغاء نظام الأسرة وتفريغها من قيمها الرشيدة، وأخلاقياتها العفيفة، وآدابها اللطيفة فهي فكرة متهافتة ستندحر يوما وكما قال الشاعر :

كَناطِحٍ صَخْرةً يوماً لِيُوهِنُهَا   فَلمْ يَضرهَا وَأَوهَى قَرْنَه الوَعِل

يستطيع الفكر الفاسد أن يهدد النظام الأسري ويلحق به الأضرار وترتفع أصوات دعاته بين الفينة والفينة ولكن هذا الفكر الذي يقلل من شأن الروابط الأسرية ويقوض قيمها يعجز عن إزالة العائلة ومعانيها الطاهرة النظيفة من وجدان الوجود الاجتماعي وسوف تبقى الزهور تتطلع للنور أو كما قال جبران خليل جبران “تستطيع أن تسحق الزهرة تحت قدميك، ولكن أنّى لك أن تزيل عطرها”.

مضمون قد يهمك
أضف تعليقا